وأنت ترشف فنجانك الصباحي من القهوة في سلام، تذكر أنه كانت هناك أوقات قد يتم سجنك وإيقاع عقوبة عليك إن شربت مثل هذا الفنجان، تاريخ القهوة حافل بالأحداث المهمة والمثيرة، كما أن اقتصادات العديد من الدول قائم على هذه الحبة البنية الساحرة.
تبدأ رحلتنا مع حبوب البن في بلاد الحبشة بأثيوبيا، حيث اعتاد الأحباش على تناول حبوب البن مثل المكسرات بسبب ما وجدوا من أثرها على نشاطهم، ثم جربوا تحميصها فسحقها وغليها بالماء، ثم انتقلت إلى بلاد المسلمين عن طريق ميناء المخا باليمن، ومنها إلى جميع أنحاء العالم.
عندما حمل طلاب الأزهر اليمنيون هذه الحبوب الساحرة معهم إلى مصر، انتشرت بين الناس انتشار النار في الهشيم، وقد ساهم الصوفيون في انتشار القهوة لاستخدامهم لها لتساعدهم على السهر والنشاط والذكر، وأصبح الجميع يشربها صباح مساء، حتى سميت الأماكن التي تقدمها باسم المقهى تيمنا باسمها، وانتشرت المقاهي في الحواضر الاسلامية كحلب ودمشق حتى وصلت إلى اسطنبول.
وعندما رأى بعض الفقهاء هذا الأثر المنشط للقهوة أفتى غالبهم بتحريمها، وكان ذلك في القرن السادس عشر الميلادي، فتم تحطيم المقاهي ومنع شربها وبيعها، حتى أنه كانت تباع في الخفاء كالممنوعات، ولكن في احدى المرات وقف أحد تجار البن أمام من يريدون تخريب بضاعتها من البن، ولكنه مات من كثرة الضرب، فثار تجار البن وتحدوا فتوى التحريم، وأقاموا سرادقا عظيما للعزاء، وقدموا مشروب القهوة للمعزين، ومن هنا بدأ العرف السائد بتقديم القهوة السادة في العزاء، وتحت هذه الضغوط، تم التراجع عن هذه الفتوى.
ولم يقتصر تحريم القهوة على فقهاء الإسلام فقط، فقد حرمت كلا من الكنيسة الأثيوبية والفاتيكان شرب القهوة أيضا، ثم تراجعوا عن هذا التحريم بعد ذلك.
وصلت القهوة إلى أوربا عن طريق ميناء البندقية الإيطالي عن طريق التجارة، وعن طريق الأسرى الأتراك في مالطا، ومنها إلى جميع دول العالم.
تتم زراعة حبوب البن حاليا في العديد من دول العالم، بدأت بالطبع في أثيوبيا ثم اليمن، ومنه إلى الهند وإندونيسيا والبرازيل وكولومبيا وكوستاريكا وجواتيمالا وغيرها من الدول ذات المناخ الحار، كما تنوعت طرق تحضير القهوة، فاشتهرت الطريقة التركية في الدول العربية، وهي تكون عن طريق طحن البن طحنا ناعما وغليه على نار هادئة بالسكر او بدونه، وهناك العديد من الطرق الاخرى للتحضير التي انتشرت في باقي دول العالم مثل الاسبرسو والتي تتم عن طريق تعريض البن المطحون لضغط عال من الماء، والقهوة المفلترة، والقهوة الباردة وغيرها من الطرق التي تنتج لنا هذا المشروب الرائع الذي يشاركنا الكثير من تفاصيل حياتنا، سعيدة كانت أم حزينة.