لا يحتوي العمل على صور
تفاصيل العمل

سند سنونه الثمانون لم تجد إلا العصا لتتكىء عليها،سنده الوحيدبعد رحيلها،لملم شتات هرمه وتوجّه إلى المطبخ،طال وقوفه متأملاًتشققات الجدران كأنها تسرد ملحمةحزن،لم يلحظ تلك الشقوق من قبل،ربما هي حديثة عهد ،تفتّحت لتطلق أسراب حزنها على من فارقت. أجال النظر في كل زاوية..كل وعاء..لتقف عينيه الخاويتين على باقة قمح في جرة الفخار متصدرة المكان-تجلب البركة في الأماكن-هكذا قالت له ، سنون الخير كانت بصحبتها وأقبلت العجاف بغيابها لقد أخطأت وقلمّاكانت تخطىء ،ليس القمح ولا الفخار هم البركة هنا،هي لم تكن البركة فقط،هي حياة هذا المكان ،روحه،نبضه،ومتى توقف هذا النبض انتهى كل شيء، نسي لم دخل إلى المطبخ وبعد تفكير تذكر أنه بحاجة إلى فنجان قهوة ينفض عنه الخمول،وضع دلّة القهوة على النار ليسمع صوتها يحذره بغضب،لم تعد تسمح له بشرب القهوة ،ضغط وقهوة،القهوة بتزيد الطين بلّة،مقولتها المتكررة،كيف لصدى صوتها أن يعشش في المكان ،هي تزيد معاناته،كأنها رحلت ولم ترحل،على الراحلين أن يقتلعو ذكرياتهم من الجذور ويأخذوها معهم،للذكريات وقع مؤلم على الروح. كيف سمحت لنفسها أن تذهب وتتركه،فهي لم تتركه في عزِّ صباها ،ترك لها الخيار في هجره عندما علم بعدم قدرته على الإنجاب ،اذهبي لا أريد حرمانك من الأولاد،إلى الآن لم ينس نظرة عينيها،كان الجواب فيهما حازم ولا مجال للجدال،ليأتي صوتها ،نعيش سوية ونموت سوية،خانت العهد ،ماتت وحدها ،وتركته يمضغ حسرته،وحدته وألمه ،ليوقظ شردوه صوت غليان الماء،غيّر رأيه لن يشرب القهوة النعناع مريح للأعصاب ومهدىءٌ جيد ،نعم...نعم النعناع أفضل،وجد نفسه يكرر كلامها ونبرة صوتها،حمل كأس النعناع هرباً من طيفهاإلى حديقة المنزل،لم يكد يجلس حتى طغى حضورها بقوة أكبر هنا،وكأنَّ صفحة وجهها ارتسمت على الياسمينة ،رفقاً به أيتها الذكريات،رفقاً،حتى الحروب تعطي هدنة لكلا الطرفين،أعطيه هدنة ليحيا بسلام ما تبقى له. قلَّب أيّام العمر في خاطره كأنَّما يقلّب صفحات كتاب،بطرفة عين توالت الأيام الماضيّة،ليتَّ الكتاب يُغلق ،ويمضي إليها،شعر بنفسه مثل محارب أعزل لا رفيق كفاح ولا سلاح،تائه،متعثّر ،يترنّح في أروقة الماضي يواسي وحدته بكل مالذَّ له وطاب من ذكريات حلوّة تترك ندوباً عميقة بعد أن يزول مفعولها المخدّر ليعود الألم أشرس من قبل،مبعثراً كل ما يصادفه. رفقة الطريق تهوّن تلك العثرات التي تعترضنا،تضفي مسحة حياة أينمّا حلّت ليعبق الدرب بعبير بشائر الصباح مانحةً الحياة رونقاًآخر ،لحناًعذب،والأهم شغفاً بمتابعة المسير . مرَّ الوقت ثقيلاً،كئيباً متشحاً بالسواد،رحلت رفيقة الروح ورحلت معها الألوان.

شارك
بطاقة العمل
تاريخ النشر
منذ 4 سنوات
المشاهدات
325
المستقل
طلب عمل مماثل
شارك
مركز المساعدة