قصه كوب شاي عند أم عماد قصه كوب شاي عند أم عماد
تفاصيل العمل

كوب شاي عند أم عماد كان اليوم باردًا... والساعة تشير إلى الرابعة مساءً. كنت أتمشى في زقاق الحارة القديمة عندما لفتني صوت ضحكة ناعمة، جاءت من بيت صغير نصفه قديم والنصف الآخر كأنّه لم يكتمل بعد. كان الباب مفتوحًا، تنبعث منه رائحة الشاي بالنعناع. وقفت. ظهرت من خلف الباب امرأة خمسينية، بوجه مشرق على رغم التجاعيد. قالت بحفاوة: "تفضل... الجو برد، والشاي سخن!" ترددت، ثم قلت: "أنا فقط أتمشى..." قاطعتني: "الشاي لا ينتظر، والناس الطيبة نادراً ما تمرّ." دخلت. كان البيت بسيطًا، فيه رائحة أمومة وذكريات. جلست على كرسي بلاستيكي مائل، أمام طاولة خشبية قديمة، وعليها صحن فيه نصف رغيف وبقايا جبن. سألتني: "اسمك إيه يا ابني؟" قلت: "سامي... صحفي تحت التدريب." ابتسمت، وقالت: "وأنا أم عماد... كنت زمان خبّازة. دلوقتي بخبز للّي محتاج بس." قدّمت لي كوب الشاي... لم أذق شايًا مثله. قالت فجأة: "ابني عماد مات من ٣ سنين... كان راجع من الشغل واتخبط بتوك توك." صمت. نظرتُ لكوب الشاي وكأنّني أبحث عن كلمات عزاء فيه. قالت: "من يومها، وأنا بعمل الشاي كل يوم الساعة أربعة، زي ما كان بيحب... وبستنى حد يشربه معايا." نظرتُ إليها. كان في عينيها سلام غريب... حزن شفاف، لكنه لا يستجدي الشفقة. سألتني: "هترجع بكرا؟" قلت تلقائيًا: "أكيد... هاجي الساعة أربعة." ابتسمت. في اليوم التالي، عدت في الموعد. وكل يوم بعدها... كنت أذهب في الرابعة. أشرب الشاي، وأكتب عن الناس الذين لا تراهم الصحف، ولا يسمعهم أحد. صارت أم عماد بطلة سلسلة مقالاتي "ناس لا تُنسى". لكن الحقيقة... أنني كنت أنا من لا يُنسى. النهاية

شارك
بطاقة العمل
تاريخ النشر
منذ يوم
المشاهدات
7
المستقل
طلب عمل مماثل
شارك
مركز المساعدة