في القرن السادس الميلادي، كانت جزيرة العرب على موعد مع تاريخ جديد، بعد أن قضت قرونا ذات عدد في ظلمات الجاهلية، وما كانت لتختلف عن جاراتها من الإمبراطوريات العظيمة، التي اختزلت الحضارة في تشييد قصور الأكاسرة و القياصرة وذوي السلطة والنفوذ، في حين استبد طواغيتها بالضعفاء من عامة الشعوب. وما كانت هذه الإمبراطوريات لتصرف أبصارها نحو جزيرة العرب، فهي في أنظارها صحراء ممتدة، يستوطنها قوم أميون من رعاة الإبل والغنم، تترامى إلى مسامعها أنباء من غارات القبائل، وحروب شعواء تمتد سنوات بسبب ناقة أو فرس. وما كانت جزيرة العرب بمعزل عن الحياة، فقد كانت الوفود من التجار العائدين من رحلة الشتاء والصيف تتناقل أخبارا متناثرة عن نبي منتظر من العرب، قد اقترب أوان مبعثه. وتمر السنون والأرض على حالها تلك، يصلى الضعيف جحيم الظلم والاضطهاد، وينعم القوي بمباهج الحياة وزينتها، حتى تأتي تلك الليلة المباركة من شهر رمضان، فينزل الوحي على رجل من بني هاشم يتحنث في غار من جبال مكة الشاهقة، فاتصلت الأرض الحرام بنور سماوي قرآني سما ببشرية محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم نحو علياء النبوة التي لا تضارعها منزلة يرنو إليها إنسان. وجاء الدين الحق، والنور المبين، فما مضى غير ربع قرن حتى تم أمر الإسلام في جزيرة العرب، التي كانت موئلا لآخر الرسالات. وقد صور أمير الشعراء المشهد في صورة بديعة فقال: أتيت والناس فوضى لا تمر بهم إلا على صنم قد هام في صنم والأرض مملوءة جورا مسخرة لكل طاغية في الخلق محتكم مسيطر الفرس يبغي في رعيته وقيصر الروم من كبر أصم عم يعذبان عباد الله في شبه و يذبحان كما ضحيت بالغنم