إذا كنت صاحب مواهب واهتمامات متعددة، فماذا تفعل في مجتمع أصبح أسير مفهوم التخصص الأوحد؟ وهل أنصحك بتقديم خدمات في مجالات مختلفة؟ ☆☆☆ في البداية، دعني أخبرك أنه في الماضي، لم يكن مفهوم التخصص في مجال واحد شائعاً بين أوساط الناس إلى هذه الدرجة المقلقة في أيامنا هذه، بل كان الكثير من العظماء السابقين أمثال «ابن الهيثم»، و«ابن باجة»، و«ليوناردو دافنشي»، و«مايكل أنجليو» يبرعون في أكثر من مجال بامتياز. ☆☆☆ لذلك أطرح في هذا المقال وجهة نظر شخصية، تستند إلى واقع تجربتي العملية في بعض منصات العمل الحر. لكن أدعوك في البداية إلى قراءة هذه الأسطر المنقولة بتصرف من كتاب «إدارة الأولويات لمتعددي المواهب والقدرات»، للمؤلفة باربرا التي تقول: «إذا توقف الأشخاص متعددو المهارات والقدرات عن التفكير في إلزام أنفسهم بالتخصص في مجال واحد فقط فسيمكنهم التخلص من 90% من المشكلات التي تواجههم... أما معاناة هؤلاء الأشخاص فتكمن في الشعور بالحرمان، لأنهم مقتنعون بوجوب تخصصهم في مجال واحد فقط مع توفر رغبتهم العارمة في العمل في مجالات متعددة. وإذا أجبروا أنفسهم على اختيار تخصص محدد، فسيعيشون تعساء طيلة عمرهم. ومع أن المجتمع لا يتقبل فكرة إطلاق الأشخاص العنان لاهتماماتهم المتعددة، إلا أن هذه هي طبيعة الأشخاص متعددي الاهتمامات والمواهب؛ فلا يستطيعون الحد من قدراتهم، ولا يجب أن يحاولوا ذلك». ☆☆☆ أما تجربتي في الحياة، فتبدأ منذ الصغر، حيث كنت دائماً ذاك الشخص متعدد الاهتمامات، إذا أردت أن أقرأ يدفعني الفضول لمعرفة كل شيء عن الطب والفلسفة والروحانيات والعلوم وغيرها، وإذا قررت الاستعداد لامتحانات آخر السنة أدرس في اليوم الواحد ما لا يقل عن 5 مواد (أدرس القليل من كل مادة)، بينما يدرس أقراني مادة واحدة لعدة أيام حتى ينهوها ثم ينتقلون إلى المادة التالية. وكنت أحصل دوماً على علامات عالية، وسط استغراب زملائي من طرائقي الغريبة في الدراسة. علاوة على ذلك، لم أكن أتخيل أبداً أن أتخصص في مجال واحد فحسب إلى آخر العمر، بل أن أكون صاحب اختصاصات متعددة، أبرع فيها جميعاً. ☆☆☆ عندما سجلت في بعض منصات العمل الحر، أضفت بضع خدمات متنوعة، ثم قرأت هنا وهناك من ينتقدون الباعة الذين تزخر صفحاتهم بخدمات في مجالات متباينة. تأثرت وقتها بما قرأته، فسارعت إلى إيقاف بعض الخدمات مؤقتاً ريثما أراجع مفاهيمي السابقة، وأجرب شيئاً جديداً. ☆☆☆ بدأت بعدها أجرب استراتيجية عرض خدمات تنتمي إلى مجال واحد، بيد أنني كنت أشعر داخلياً بعدم الراحة وكأن شيئاً يكبّلني، بينما أحب تقديم أكثر مما أعرضه، ولدي دائماً أفكار جديدة تتوق إلى رؤية النور. ☆☆☆ بعد انقضاء مهلة التجربة اكتشفت أن تقديم خدمات ضمن تخصص واحد لا علاقة له بزيادة العملاء والأرباح، بل لاحظت أنني كنت أبيع أكثر، وأكسب مزيداً من المشترين عندما كانت جميع خدماتي المتنوعة مفعلة في صفحتي، كما أنني قرأت بعض المقالات والكتب التي تؤكد مدى خطورة تبني مفهوم التخصص، خصوصاً على أصحاب الاهتمامات المتعددة. فهو أشبه بسجن إن وضعوا أنفسهم فيه، فقد ختموا على طاقاتهم الدفينة بالشمع الأحمر. ☆☆☆ اليوم، أقدم كل ما أحب، ويشهد عملي في بعض المنصات ازدهاراً من كافة الجوانب، وأحظى باحترام العملاء الحاليين والقدماء دون أي مشكلة فيما يتعلق بالتخصص. من يريد خدمة ضمن مجالات الكتابة يجدني حاضراً، ومن يريد طلب خدمات لا علاقة لها بهذا المجال، فسيجدها حاضرة وبالجودة ذاتها. إذن ما المشكلة؟! المشكلة في أذهاننا فحسب، وليست في تقديم خدمات متنوعة. ☆☆☆ إذن، هل أدعوك إلى تقديم خدمات في مجالات مختلفة؟ بالتأكيد أنصحك بذلك، بشرط أن تكون متقناً لتلك المجالات بدرجة مناسبة تؤهلك لتقديم خدمات ذات جودة تحاكي توقعات العملاء. فإذا كنت بارعاً في الكتابة والرسم فلم لا تقدم الخدمتين معاً، وإذا كنت تجيد التسويق والتصميم فلا تمنع نفسك من تقديمهما، وإذا كنت تجيد أكثر من ذلك فأقدم ولا تتردد، فستجد عملاء كثيرين لا يلتفتون إلى مسألة وجوب تقديم البائع لخدمات تنتمي إلى مجال معين، وستزيد من فرصك في كسب أرباح أكبر. كما أن هناك خدمات يمكنك تقديمها دون حاجة إلى أي خبرة، مثل خدمات بيع صور دون حقوق ملكية تقوم بتجميعها مسبقاً، أو بيع ملفات تقوم بإعدادها بنفسك في وقت سابق، وتضمّنها بعض المعلومات المفيدة مما لا يحتاج إلى تخصص. ☆☆☆ ختاماً أقول: لا تضع سقفاً لأحلامك، ولا تحصر نفسك في تخصص واحد إذا كنت من أصحاب المواهب والاهتمامات المتعددة. بل أطلق العنان لطاقاتك الدفينة، واسمح للأفكار المبتكرة بالتدفق بحرية تامة، ودع النور الكامن في داخلك يخرج إلى السطح، متجاهلاً مفاهيم المجتمع المغلوطة، والحدود التي يريد الآخرون رسمها لحياتك الشخصية أو العملية.